أحكام الجنائز
وبعد فهذا ملخص في أحكام
الجنائز تمس الحاجة إليه أسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه
1- يجب على كل أحد أن يحسن الاستعداد للموت بالتوبة النصوح، والخروج من الذنوب
والآثام، وأن يجدد التوبة في قلبه كل وقت، ولا يغفل عن ذلك لأنه لا يدري فقد
يفجؤه الموت في أي لحظة دون سابق إنذار، كما يجب عليه التخلص من حقوق العباد إما
بإرجاعها إن كانت أموالاً، أو التحلل من أصاحبها إن كانت أعراضاً.
2- عليه بكتابة وصيته الشرعية يذكر فيها ما له وما عليه من الحقوق والمستلزمات،
كما يوصي فيها أهله وذويه بتقوى الله، وعدم الجزع أو التسخط لقضاء الله وقدره،
ويأمرهم فيها بالصبر والاحتساب، ويحذرهم من الوقوع فيما يخالف الكتاب والسنة.
3- يجب على المسلم أن يحسن الظن بربه تعالى وخصوصاً في ساعة الاحتضار، ومما
يعينه على ذلك تذكر رحمة الله ولطفه وعفوه الواسع، ولا بأس بتذكر أعماله الصالحة
في ذلك الموقف لأن ذلك مما يقوي قلبه، ويشرح صدره للقاء ربه.
4- ينبغي على من حضر عند المحتضر أن يلقنه الشهادتين، وأن يكررها عليه بلطف حتى
يقولها، فإذا قالها سكت عنه إلا أن يتكلم بكلام بعدها فيُلقّنَها مرة أخرى حتى
يقولها وهكذا، حتى يختم له بها لأن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة
كما ورد بذلك الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال بعض العلماء بأنه يوجه
للقبلة، وقد ورد بذلك أثر مرفوع لكنه ضعيف، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم
بين سحر عائشة ونحرها، ولم يوجه للقبلة، والذي يظهر أن الأمر واسع في ذلك .
5- إذا مات فيسن لمن حضره أن يغمض عينيه لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر، كما
يجب على من حضره من أهله وغيرهم ألا يقولوا إلا خيراً لأن الملائكة يؤمنون على
ما يقال عند الميت.
6- يجب على أهل الميت وذويه الصبر والتحمل والرضا بقدر الله، وعدم الجزع أو
التسخط، أو شق الثياب والنياحة، ولطم الخدود، والدعاء بالثبور، وتعديد محاسن
الميت، كقولهم واجبلاه، أو واسنداه، وغيرها من الأفعال والأقوال، لأن ذلك من
أفعال الجاهلية الممقوتة التي لا يحبها الله ولا يرضاها، وقد ورد الوعيد الشديد
لمن يعمل هذه الأعمال، ولأن الميت يـتأذى بها، حيث ورد أن الميت يعذب ببكاء أهله
. والواجب هو الصبر والتحمل والدعاء للميت بالرحمة والغفران.
7- بعد التحقق من موته، فالمشروع هو المسارعة في تجهيزه، ودفنه، وعدم تأخيره
لغير ضرورة، إلا من مات فجأة فلا يسارع في تجهيزه حتى يتحقق من موته لاحتمال أن
يكون ذلك إغماءً وليس موتاً. فإذا تيقن موته فيبادر بغسله، فيوضع على شيء مرتفع
سرير أو نحوه، ثم يبدأ الغاسل فيرفع رأس الميت إلى قرب الجلوس، فيعصر بطن الميت
عصراً خفيفاً، يمر يده على بطنه أكثر من مرة ليخرج ما يمكن خروجه منه، وذلك حتى
لا يخرج بعد غسله منه شيء. فإذا تحقق خلو الموضع من الأذى يبدأ الغاسل فيلف على
يده خرقة أو قفازاً طبياً ونحوه فينجي الميت، ولا يمس عورته، ويكثر من صب الماء
عليه، وإذا تكرر خروج شيء منه، ولم يتوقف فإنه يسد المخرج بقطن أو غيره من
الوسائل المستعملة كاللصق ونحوه لوقف ذلك الخارج، ثم يغسل فرجه قبلاً ودبراً
بالماء، فإذا نقاه وطهره فإنه يبدأ بغسل مواضع الوضوء منه، أي أنه يوضؤه وضؤاً
كاملاً، غير أنه لا يدخل الماء فمه ولا أنفه، وإنما يبل خرقة، فينظف بها أنفه
وفمه، ثم يغسل بقية الجسد بالماء والسدر، فيبدأ بالرأس واللحية، ثم بقية البدن،
ويكرر الغسل ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو أكثر إذا دعت الحاجة، ولا بأس أن
يستعمل الصابون لأنه أقوى في التنظيف. ويجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً. مع
الحرص على عدم كشف شيء من عورته ثم بعد ذلك ينشفه، ويكفنه. ويؤخذ من شاربه إذا
كان طويلاً، وكذلك أظفاره. وأما المرأة فيضفر شعرها ثلاثة قرون، ويسدل وراءها.
ولا بأس أن تغسل المرأة زوجها أو الزوج امرأته، وما عدا ذلك فلا تغسل المرأة
الرجل ولا الرجل المرأة، وإنما يغسل الرجل الرجال، والمرأة النساء. وقد استثنى
أهل العلم من كان دون السابعة من عمره فيجوز للنساء غسله إن كان ذكراً، ويجوز
للرجال غسله إن كان أنثى. وإذا ماتت المرأة وليس لها زوج يغسلها، ولا يوجد نساء
يغسلنها فقد قال بعض أهل العلم أنها تييم كتيمم الصلاة، وكذلك الرجل بين النساء.
وهذه الصفة في الغسل يشترك فيها الرجال والنساء والصغار والكبار كلهم يُغسل على
هذه الصورة.
8- بعد الغسل والتنشيف يكفن الميت في كفن، ويستحب أن يكفن في ثلاث لفائف بيض،
ويجوز لفافة واحدة، ويجوز أن يكفن بغير الأبيض، وهذه اللفائف تبسط بعضها فوق
بعض، ويجعل الحنوط فيما بينها-والحنوط هو أخلاط من الطيب يصنع للأموات خاصة-، ثم
يدرج في هذه اللفائف إدراجاً، فيوضع الميت مستلقياً على ظهره، ثم تؤخذ اللفافة
الأولى وهي التي تلي الميت فيلف طرفها الأيمن [الذي على يسار الغاسل] على شق
الميت الأيمن ويذهب به إلى جهة الميت اليسرى، ثم الطرف الأيسر [الذي على يمين
الغاسل] على الشق الأيسر للميت، ويذهب به إلى الجهة اليمنى للميت، بحيث يكون فوق
الطرف الأيمن، ثم اللفافة التي تليها كذلك إلى تمام الثالثة، ويجوز أن يكفن في
إزار وقميص، ولفافة واحدة، فالإزار لأسفل الميت، والرداء لأعلاه كهيئة المحرم،
واللفافة يعمم بها جميع جسمه. والأكمل هو الأول. وهذا الوضع في التكفين يستوي
فيه المرأة والرجل ولا فرق على الراجح من أقوال أهل العلم، والحديث الذي ورد فيه
التفريق بينهما ضعفه أهل العلم. ويجب أن يكون الكفن ساتراً لجميع بدن الميت غير
شفاف ولا مخرق، ولا قصير.
9- بعد هذا يذهب به إلى موضع الصلاة سواء في المسجد أو غيره، ويستحب أن يشهد
الصلاة عليه الجمع الكثير، لما يرجى من قبول شفاعتهم فيه، فيوضع الميت على النعش
أمام الإمام، فيقف عند رأس الرجل، وعند وسط المرأة .
وكيفية صلاة الجنازة :
أن يكبر مع رفع اليدين، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقول: بسم الله
الرحمن الرحيم، ويقرأ الفاتحة مباشرة دون قراءة دعاء الاستفتاح، فإن قرأ بعد
الفاتحة سورة قصيرة، أو آيات من القرآن فلا حرج، ثم يكبر ويرفع يديه، ويقرأ
الصلاة الإبراهيمية: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم
إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك
حميد مجيد). ثم يكبر ويرفع يديه، ويدعو للميت، ويقول: (اللهم اغفر لحينا وميتنا
وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا اللهم من أحييته منا فأحيه على
الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان). (اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه
وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد ونقه من الخطايا كما ينقى
الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا
من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار). وله أن يدعو بغير ذلك. ثم يكبر الرابعة،
ويرفع يديه، ثم يسكت قليلاً ثم يسلم عن يمينه تسليمة واحدة أو تسليمتين.
والطفل يدعى له بهذا الدعاء، ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة.
10- يحمل الميت إلى القبر، وينزل فيه من عند رجلي القبر، يقدم رأس الميت فيسل
فيه سلاً، ثم يوضع على شقه الأيمن مستقبل القبلة، ويقول الذي يضعه في القبر: بسم
الله وعلى سنة رسول الله. والسنة أن يلحد في جانب القبر مما يلي القبلة، وأما
الشق فهو أن يحفر للميت في وسط القبر، وهو خلاف السنة، ولا يشرع وضع شيء تحت
رأسه وسادة ولا طوبة، ولا يكشف وجهه لأنه لم يثبت. ثم ينصب عليه اللبن، وبعد ذلك
يهال عليه التراب. ويسن أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر لا أكثر، ويكون مسنماً
هذه سنة قبور المسلمين. وأما رفعها أكثر من ذلك أو البناء عليها ووضع القباب، أو
تجصيصها -وهو وضع الجص أو الرخام عليها-، أو الكتابة عليها فذلك كله من البدع
والمحدثات. وذكر بعض أهل العلم أن رش الماء على القبر وإدارته عليه بعد الفراغ
من الدفن كما يفعل اليوم بمقابرنا من البدع المحدثة -أيضاً-. واعلم أنه لا يجوز
الجلوس على المقابر أو الوطء عليها بالأقدام، وكذا الإتكاء عليها، لأن في ذلك
امتهان لها. وبالجملة فلا يجوز أن يفعل بالقبور ما يكون فيه تعظيماً لها ولا ما
يكون فيه امتهان لها. ولا ينبغي دفن أكثر من اثنين في قبر واحد إلا لضرورة.
وقد جرت عادة كثير من الناس أثناء حمل الجنازة أن يكثروا من التهليل والذكر،
والبعض يقول: وحدوه، والبعض يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وكل هذا لم يرد
له في الشرع أصل حسب علمي، إذا كان ذلك يفعل من أجل الجنازة.
11- بعد الفراغ من دفنه يقف المشيعون على القبر ويستقبلون القبلة، وليس القبر،
ويدعون للميت بالثبات، ويستغفرون له، ولا بأس برفع الأيدي عند الدعاء له لأن ذلك
ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزيارة القبور للدعاء لأهلها والاستغفار
لهم من الأمور المشروعة، ويقول من زارها: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن
شاء الله بكم لا حقون ويدعو لهم ويستغفر، ولا يخفى ما عظمت به مصيبة كثير من
المسلمين من تعظيم القبور، ومن فيها، والبعض يدعو أهلها ويتوسل بهم، وهذا من
الشرك الأكبر المخرج من الملة والعياذ با الله، فأهل المقابر ضعفاء مرتهنون
بأعمالهم، وهم أحوج إلى ما يقدمه لهم الأحياء من الدعاء والصدقة ونحو ذلك، فكيف
يرجى ممن هذه حاله نفعاً أو ضراً، فاللهم سلمنا من الزلل والخلل.
12- وتشرع التعزية لأهل الميت من بعد الوفاة، ولا تحد بثلاثة أيام أو غيرها، بل
هي مشروعة في كل وقت، وكلما كانت قريبة من المصاب كانت أفضل لأن الصدمة تكون
أعظم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
وأما الإحداد فلا يجوز فوق ثلاثة أيام إلا المرأة فتحد على زوجها أربعة أشهر
وعشراً، فتجتنب الزينة في بدنها وفي ثوبها، ولا تلبس من الثياب ما يعد زينة، بل
تلبس ثيابها التي اعتادت لبسها في البيت، وأما لبس لون معين كالسواد أو البياض
فلا أعرف له أصلاً، ولا تلبس الحلي، ويجب عليها اجتناب الطيب والعطورات، والكحل
في العين، وإن فعلت شيئاً من ذلك فهي آثمة وعليها التوبة إلى الله، ولا شيء
عليها سوى التوبة والاستغفار، ولا تعود لمثل ذلك. ولها أن تتحدث مع النساء،
وتصعد على سطح بيتها، وتشاهد القمر، ولا تخرج من بيتها إلا لحاجة، ويكون ذلك
بالنهار، وأما بالليل فتمكث في بيتها ولا تخرج منه إلا لضرورة ملحة.
ولا ينبغي لأهل الميت أن يجتمعوا في مكان معين لأجل العزاء، وما يصنعه الناس
اليوم من تخصيص مكان للعزاء توضع فيه الفرش أو الكراسي والعقود الكهربائية،
وكذلك صنع الأطعمة من الذبائح وأصناف المأكولات، كل ذلك مخالفة شرعية، وهي
معدودة من النياحة؛ قال جرير بن عبد الله: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت،
وصنعة الطعام بعد الدفن من النياحة. والسنة أن يصنع الجيران ونحوهم طعاماً لأهل
الميت يدفعونه إليهم ثم ينصرفون عنهم.
والبعض يكرر الولائم في اليوم السابع والأربعين ... وكل هذا مما لا يشرع فعله.
وقد درج البعض على إحضار قارئ يقرأ القرآن في العزاء، وربما يكون ذلك مقابل مبلغ
من المال، وهذا من البدع والمحدثات التي لم يرد بها الشرع. والواجب الحذر من هذه
البدع والمخالفات.
13- من مات وهو مرتكب لشيء من نواقض الإسلام، مثل الساحر أو الكاهن أو من يدعو
الأموات أو يذبح لغير الله، أو يطوف بالقبور تقرباً إلى أهلها، أو كان تاركاً
للصلاة فهؤلاء لا يغسلون، ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين، ولا
يدعى لهم بالخير، بل يخرج أحدهم إلى خارج البلد فيحفر له حفرة يدفن فيها كما
تدفن الجيف، ولا يجوز تقديمه للمسلمين ليصلوا عليه، ومن علم حاله فالواجب عليه
البيان للناس، وذلك من النصح والتواصي بالحق الذي أمر الله به. ومن عرف من حاله
أنه صاحب بدعة يدعو إليها، فإن كانت مكفرة فذلك من نواقض الإسلام، وإن كانت غير
مكفرة نظر في حالة فإن عرف أنه نصح عنها فلم ينتصح، وعاند فهذا -أيضاً- لا يصلى
عليه، تحقيراً له وردعاً لأمثاله حتى لا يستمرء الناس البدع، ويستهينون بها.
فليحذر كل عبد وليراجع دينه، ويحرص على سلامة توحيده وعقيدته، ويلتزم بأوامر
الله وليحذر نواهيه، والله الهادي إلى سواء السبيل.
|