قيـام رمضان
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله
فضل قيام ليالي رمضان :
قد جاء فيه حديثان :
الأول : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب
في قيام رمضان ، من غير ان يأمرهم بعزيمة ، ثم يقول " من قام رمضان إيمانا
واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ".
فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك في
خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وصدر في خلافة عمر رضي الله عنه " أخرجه مسلم
وغيره ، وعند البخاري منه المرفوع من قوله صلى الله عليه وسلم مخرج في الإرواء
(4/14/906).
والآخر : حديث عمرو بن مرة الجهني قال :
" جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من قضاعة فقال : يا رسول الله أرايت إن
شهدت أن لا إلا الله ، ، وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس ،وصمت الشهر ،
وقمت رمضان ، وأتيت الزكاة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء " أخرجه ابن خزيمة وابن حبان في
صحيحهما وغيرهما بسند صحيح.
ليلة القدر وتحديدها :
ومن أفضل لياليه القدر ، لقوله صلى الله عليه وسلم :
" من قام ليلة القدر (ثم وفقت له) ، إيمانا واحتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه "
أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة وأحمد من حديث عبادة بن الصامت
والزيادة له ، ولمسلم عن أبي هريرة.
وهي ليلة السابع والعشرين من رمضان على الأرجح وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زر
بن حبيش قال :
سمعت أبيّ ابن كعب يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر
فقال أبي رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا
هو ، إنها لفي رمضان يحلف ما يستثني ـ ووالله إني لأعلم أي ليلة هي ؟ هي الليلة
التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين ،
وأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في
صحيح أبي داود (1274).
هل يشرع قيام الليل في جماعة في رمضان ؟
وتشرع الجماعة في قيام رمضان ، بل هي أفضل من الانفراد لإقامة النبي لها بنفسه
وبيانه لفضلها بقوله ، كما في حديث ابي ذر رضي الله عنه قال :
" صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يقم بنا من الشهر ، حتى بقى سبع
فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا ، فلما كانت الخامسة
قام بنا حتى ذهب شطر الليل ، فقلت : يا رسول الله لو نفلتنا قيام هذه الليلة ،
فقال :
" إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة " .
فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس ، فقام
بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح ، قال قلت ما الفلاح ؟ قال السحور ، ثم لم يقم
بنا بقية الشهر حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وغيرهم.
السبب في عدم استمرار النبي صلى الله عليه وسلم فيه :
ولم يقم بهم عليه الصلاة والسلام بقية الشهر خشية أن تفرض عليهم صلاة الليل في
رمضان ، فيعجزوا عنها كما جاء في حديث عائشة في الصحيحين وغيرهما وقد زالت هذه
الخشية بوفاته صلى الله عليه وسلم بعد أن أكمل الله الشريعة ، وبذلك زال المعلول
، وهو ترك الجماعة في قيام رمضان ، وبقي الحكم السابق وهو مشروعة الجماعة ،
ولذلك أحياها عمر رضي الله عنه كما في صحيح البخاري وغيره.
مشروعية القيام جماعة للنساء :
ويشرع للنساء حضورها كما في حديث أبي ذر السابق ، بل يجوز أن يجعل لهن إمام خاص
بهن ، غير إمام الرجال ، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام
، جعل على الرجال أبي بن كعب ، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة ، فعن عرفجة
الثقفي قال :
" كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال
إماما وللنساء إماما ، قال فكنت أنا إمام النساء " أخرجه البيهقي.
قلت وهذا مله عندي إذا كان المسجد واسعا ، لئلا يشوش أحدهما على الآخر.
عدد ركعات القيام :
وركعاتها إحدى عشرة ركعة ، ونختار أن لا يزيد عليها اتباعا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فإنه لم يزد عليها حتى فارق الدنيا ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها
صلاته صلى الله عليه وسلم في رمضان ؟ فقالت :
" ما كان رسول اله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة
ركعة ، يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن
وطولهن ، ثم يصلي ثلاثا " أخرجه الشيخان وغيرهما.
وله أن ينقص منها ، حتى لو اقتصر على ركعة الوتر فقط بدليل فعله وقوله صلى الله
عليه وسلم :
أما الفعل ، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها ، بكم كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يوتر ؟ قالت : " كان يوتر باربع وثلاث ، وست وثلاث ، وعشر وثلاث ، ولم يكن
يوتر بأنقص من سبع ، ولا بأكثر من ثلاث عشرة " رواه أبو داود وأحمد وغيرهما وهو
حديث جيد الإسناد ، وصححه العراقي.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم فهو : " الوتر حق ، فمن شاء فليوتر بخمس ، ومن شاء
فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر بواحدة " رواه الطحاوي والحاكم وغيرهما وهو حديث
صحيح الإسناد كما قال جماعة من الأئمة ، وله شاهد فيه زيادة منكرة.
قدر القراءة في القيام :
وأما القراءة في صلاة الليل في قيام رمضان أو غيره فلم يحد فيها النبي صلى الله
عليه وسلم حدا لا يتعداه بزيادة أو نقص ، بل كانت قراءته صلى الله عليه وسلم
فيها تختلف قصرا وطولا ، فكانت تارة يقرأ في كل ركعة قدر " يا أيها المزمل " ،
وهي عشرون آية ، وتارة قدر خمسين آية.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول :
" من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين "
وفي حديث آخر :
" … بمئتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين "
وقرأ صلى الله عليه وسلم وهو مريض السبع الطوار ، وهي سورة "البقرة ـ وآل عمران
ـ والنساء ـ والمائدة ـ والأنعام ـ والأعراف ـ التوبة "
وفي قصة صلاة حذيفة بن اليمان وراء النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه
وسلم قرأ في ركعة واحدة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وكان يقرؤها مترسلا
متمهلا هذه الأحاديث كلها مخرجة في صفة صلاة النبي (117-122).
وثبت بأصح إسناد أن عمر رضي الله عنه لما أمر ابي بن كعب أن يصلي للناس بإحدى
عشرة ركعة في رمضان ، كان أبي رضي الله عنه يقرأ بالمئين ، حتى كان الذين خلفه
يعتمدون على العصي من طول القيام ، وما كانوا ينصرفون إلا في أوائل الفجر " رواه
مالك بنحوه.
وصح عن عمر أيضا أنه دعا القراء في رمضان فأمر أسرعهم قراءة أن يقرا ثلاثين ،
والوسط خمسا وعشرين آية والبطيء ، عشرين آية رواه عبد الرزاق في المصنف
(4/261/7731) والبيهقي (2/497).
وعلى ذلك فإن صلى القائم لنفسه فليطول ما شاء ، وكذلك إذا كان معه من يوافقه ،
وكلما أطال فهو أفضل ، إلا أنه لا يبالغ في الإطالة حتى يحيي الليل كله إلا
نادرا ، اتباعا للنبي صلى الله عليه وسلم القائل : " وخير الهدي هدي محمد " هو
بعض حديث رواه مسلم والنسائي وغيرهما.
وأما إذا صلى إماما ، فعليه أن يطيل بما لا يشق على من وراءه لقوله صلى الله
عليه وسلم :
" إذا قام أحدكم للناس فليخفف الصلاة ، فإن فيهم (الصغير) والكبير وفيهم الضعيف
، والمريض ، (وذا الحاجة) ، وإذا قام وحده فليطل صلاته ماشاء " أخرجه الشيخان
واللفظ والزيادات لمسلم ، وهو مخرج في الإرواء (512) وصحيح أبي داود أبي دواد
(759 ، 760).
وقت القيـام :
ووقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "
إن الله زادكم صلاة ، وهي الوتر فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " حديث
صحيح ، أخرجه أحمد وغيره عن أبي بصرة ، وهو مخرج في الصحيحة (108).
والصلاة في آخر الليل أفضل لمن تيسر له ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " من خاف
أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل ،
فإن صلاة آخر الليل مشهودا ، وذلك أفضل " أخرجه مسلم وغيره.
وإذا دار الأمر بين الصلاة أول الليل مع الجماعة ، وبين الصلاة آخر الليل منفردا
، فالصلاة مع الجماعة أفضل ، لأنه بحسب له قيام ليلة تامة كما تقدم في الحديث
مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى ذلك جرى عمل الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ، فقال عبد الرحمن بن عبد
القاري :
" وخرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون
، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال : والله إني لأرى
لو جمعت هؤلاء ، على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم ، فجمعهم على أبي بن كعب ،
قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت
البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ـ يريد أخر الليل ـ وكان
الناس يقومون أوله " أخرجه البخاري وغيره وهو مخرج في التراويح.
وقال زيد بن وهب : " كان عبد الله يصلى بنا في شهر رمضان فينصرف بليل " أخرجه
عبد الرزاق (7741) وإسناده صحيح.
الكيفية التي تصلى بها صلاة القيام في رمضان :
الكيفية الأولى : ثلاث عشرة ركعة ، يفتتحها بركعتين خفيفتين ، وهما على الأرجح
سنة العشاء البعدية ، أو ركعتان مخصوصتان يفتتح بهما صلاة الليل كما تقدم ، ثم
يصلي ركعتين طويلتين جدا ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دون اللتين
قبلهما ، ثم يصلي ركعتين دونهما ، ثم يصلي ركعتين دونههما ، ثم يوتر بركعة.
الثانية : يصلي ثلاث عشرة ركعة ، منها ثمانية يسلم بين كل ركعتين ، ثم يوتر
بخمس لا يجلس ولا يسلم إلا في الخامسة.
الثالثة : إحدى عشرة ركعة ، يصلي منها أربعا بتسليمة واحدة ، ثم أربعا كذلك ،
ثم ثلاثا.
الرابعة : إحدى عشرة ركعة ، يصلي منها أربعا بتسليمة واحدة ، ثم أربعا ، ثم
ثلاثا.
وهل كان يجلس بين كل ركعتين من الأربع والثلاث ؟ لم أجد جوابا شافيا ذلك ، لكن
الجلوس في الثلاث لا يشرع !
الخامسة : يصلي إحدى عشرة ركعة ، منها ثماني ركعات لا يقعد فيها إلا في الثامنة
، يتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقوم ولا يسلم ، ثم يوتر بركعة ،
ثم يسلم ، فهذه تسع ، ثم يصلي ركعتين وهو جالس.
السادسة : يصلي تسع ركعات منها ست لا يقعد إلا في السادسة منها ، ثم يتشهد
ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم .. الخ ما ذكر في الكيفية السابقة..
هذه هي الكيفيات التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا عنه ، ويمكن أن يزاد
عليها أنواع أخرى ، وذلك بأن ينقض من كي نوع منها ما شاء من الركعات حتى يقتصر
على ركعة واحدة عملا بقوله صلى الله عليه وسلم المتقدم " … فمن شاء فليوتر بخمس
، ومن شاء فليوتر بثلاث ، ومن شاء فليوتر بواحدة " .
فهذه الخمس والثلاث ، إن شاء صلاها بقعود واحد ، وتسليمة واحدة كما في الصفة
الثانية ، وإن شاء سلم بين كل ركعتين كما في الصفة الثالثة وغيرها ، وهو الأفضل.
وأما صلاة الخمس والثلاث بقعود من كل ركعتين بدون تسليم فلم تجده ثابتا عنه صلى
الله عليه وسلم ، والأصل الجواز ، لكن لما كان النبي صلى الله عليه وسلم ، قد
نهى عن الإيتار بثلاث ، وعلل ذلك بقوله : " ولا تشبهوا بصلاة المغرب " فحينئذ
لابد لمن صلى الوتر ثلاث من الخروج عن هذه المشابهة ، وذلك يكون بوجهين :
أحدهما : التسليم بين الشفع والوتر ، وهو الأقوى والأفضل.
والآخر : أن لا يقعد بين الشفع والوتر ، والله تعالى أعلم.
القراءة في ثلاث الوتر :
ومن السنة أن يقرأ في الركعة الأولى من ثلاث الوتر : " سبح اسم ربك الأعلى " وفي
الثانية : " قل يا أيها الكافرون " ، وفي الثالثة : " قل هو الله أحد " ويضيف
إليها أحيانا : " قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس ".
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ مرة في ركعة الوتر بمئة آية من النساء.
وبعد القراغ من القراءة وقلي الركوع ، يقنت أحيانا بالدعاء الذي علمه النبي صلى
الله عليه وسلم سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما وهو : " اللهم اهدني فيمن هديت
، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما
قضيت ، فإن تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ،
تباركت ربنا وتعاليت ، لا منجا منك إلا إليك " ويصلي على النبي صلى الله عليه
وسلم أحيانا ، لما يأتي بعده".
ولا بأس من جعل القنوت بعد الركوع ، ومن الزيادة عليه بلعن الكفرة ، والصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم والدعاء للمسلمين في النصف الثاني من رمضان ، لثبوت
ذلك عن الأئمة في عهد عمر رضي الله عنه ، فقد جاء في آخر حديث عبد الرحمن بن عبد
القاري المتقدم :
" وكانوا يلعنون الكفرة في النصف : اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك ،
ويكذبون رسلك ، ولا يؤمنون بوعدك ، وخالف بين كلمتهم ، والق في قلوبهم الرعب ،
وألق عليهم رجزك وعذابك ، إله الحق ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ،
ويدعو للمسلمين بما استطاع من خير ، ثم يستغفر للمؤمنين.
قال : وكان يقول إذا فرغ من لعنة الكفرة وصلاته على النبي واستغفارة للمؤمنين
والمؤمنات ومسألته:
" اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، ونرجو رحمتك ربنا ،
ونخاف عذابك الجد ، إن عذابك لمن عاديت ملحق " ثم يكبر ويهوى ساجدا رواه ابن
خزيمة في صحيحه (2/155-126/1100).
ما يقول في آخر الوتر :
ومن السنة أن يقول في آخر وتره قبل السلام أو بعده :
" اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي
ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك. "
وإذا سلم من الوتر ، قال : " سبحان الملك القدوس ، سبحان الملك القدوس ، سبحان
الملك القدوس (ثلاثا) ويمد بها صوته ، ويرفع في الثالثة" رواه مسلم وغيره.
|