أسئلة وأجوبتها تتعلق
بالتوبة
الشيخ عبد العزيز بن باز
وجوب التوبة والتحلل من مظلمة الناس
س : كنت جاهلا ولقد من الله علي بالإسلام ، وكنت قبل ذلك قد ارتكبت بعض المظالم
والأخطاء وسمعت حديثا عن الرسول الذي يقول : من كانت عنده مظلمة لأخيه في عرض أو
في أي شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلخ . كيف تنصحونني
والحالة هذه؟
جـ : لقد شرع الله لعباده التوبة من جميع الذنوب ، قال الله تعالى : وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال
الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً
نَصُوحًا وقال جل وعلا : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ
صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى وقال التائب من الذنب كمن لا ذنب له فمن اقترف شيئا من
المعاصي فعليه أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع والحذر والعزم الصادق ألا يعود
في ذلك ؛ تعظيما لله سبحانه ، وإخلاصا له ، وحذرا من عقابه والله يتوب على
التائبين ، فمن صدق في التوجه إلى الله عز وجل وندم على ما مضى وعزم عزما صادقا
أن لا يعود وأقلع منها تعظيما لله وخوفا منه فإن الله يتوب عليه ويمحو عنه ما
مضى من الذنوب فضلا منه وإحسانا سبحانه وتعالى ، ولكن إذ كانت المعصية ظلما
للعباد فهذا يحتاج إلى أداء الحق ، فعليه التوبة مما وقع بالندم ، والإقلاع ،
والعزم أن لا يعود ، وعليه مع ذلك أداء الحق لمستحقيه أو بتحلله من ذلك ، كأن
يقول لصاحب الحق سامحني يا أخي أو اعف عني ، أو يعطيه حقه ، للحديث الذي أشرت
إليه ، وهو قول النبي : من كانت عنده لأخيه مظلمة فليتحلله اليوم قبل أن لا يكون
دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته بقدر مظلمته فإن لم يكن له
حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه رواه البخاري في صحيحه .
فالواجب على المؤمن أن يحرص على البراءة والسلامة من حق أخيه ، بأن يرد إليه أو
يتحلله منه ، وإن كان عرضا فلا بد من تحلله منه أيضا إن استطاع ، فإن لم يستطع
أو خاف من مغبة ذلك كأن يترتب على إخباره شر أكثر- فإنه يستغفر له ويدعو له
ويذكره بالمحاسن التي يعرفها عنه بدلا مما ذكره عنه من السوء في المجالس التي
اغتابه فيها ليغسل السيئات الأولى بالحسنات الآخرة ضد السيئات التي نشرها سابقا
ويستغفر له ويدعو له . والله ولي التوفيق .
امرأة تسببت في قتل نفسها لكنها تابت قبل أن تموت
س : لي أخت متزوجة ولديها ثلاثة أطفال وهي على خلاف دائم مع زوجها وكانت أيضا
على خلاف مع والدها ، والسبب زوجها الذي كان يعاملها معاملة قاسية جدا مما
اضطرها إلى ترك البيت وذهبت إلى بيت أمها المطلقة والمتزوجة من إنسان آخر ، وزوج
أمها يعاملها هو الآخر معاملة سيئة . فقمت أنا- أخوها- وأخذت لها شقة لتسكن فيها
معي وكانت كثيرا ما تذهب إلى أمها ومرة أجبرها زوج أمها أن تذهب وترمي أولادها
عند زوجها ، ففعلت ذلك إرضاء لأمها. وفي أحد الأيام حصل خلاف بينها وبين زوج
أمها وخرجت إلى شقتها متأثرة جدا بما مر بها من مصائب وأبعد أولادها عنها ،
فقامت وأخذت حبوبا من الثلاجة وأ كلتها جميعا تريد أن تقضي على حياتها- فأخذتها
إلى المستشفى وأعطيت العلاج اللازم ، وقبل وفاتها أحست أنها في أيامها الأخيرة ،
فتابت وأخذت تستغفر كثيرا عما فعلته وكانت تطلب منا أن ندعو لها بالمغفرة .
وأراد الله وتوفيت ، فماذا يكون حالها بعد ذلك ؟ وهل يجوز لي أن أقوم بالصدقة
والحج عنها؟ علما أنني نذرت أن أقوم بهذه الأعمال طيلة حياتي إن شاء الله .
أفيدوني على صفحات مجلة : ( الدعوة )
: مادامت أختك المذكورة قد تابت إلى الله سبحانه وندمت على ما فعلته من أسباب
الانتحار فإنه يرجى لها المغفرة ، والتوبة تجب ما قبلها ، والتائب من الذنب كمن
لا ذنب له ، كما صحت بذلك الأحاديث عن النبي ، وإذا تصدقت عنها أو استغفرت لها
ودعوت لها يكون ذلك حسنا ، وذلك ينفعها وتؤجر عليه أنت . وما نذرته من الطاعات
فعليك أن توفي به ؛ لأن الله سبحانه مدح الموفين بالنذور في قوله عز وجل في مدح
الأبرار : يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ
مُسْتَطِيرًا وقول النبي : من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا
يعصه رواه الإمام البخاري في صحيحه .
طريقة التوبة من المعاصي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة المكرم ( . . . . . . . . . . )
أعاذه الله من وساوس الشيطان ووفقه لما فيه صلاح أمر دينه ودنياه . سلام عليكم
ورحمة الله وبركاته .
وبعد : وصلني كتابك المتضمن بيان أشياء وقعت منك وأشكل عليك أمرها وخفت من
عاقبتها ، وقد سبق أن أجبناك في 12 / 7 / 1390 هـ بطلب حضورك فلم يتيسر ذلك ونحن
الآن نجيبك إن شاء الله على ما في خطابك :
س : ذكرت أنك تصلي في بعض الأوقات وتدع الصلاة في أوقات أخرى ويحصل منك العزم
على التوبة في بعض الأوقات ثم ترجع عن ذلك ، وربما أفضى بك ذلك التساهل إلى ترك
بقية الأركان ، وقد عزمت على التوبة الصادقة والإقلاع التام فهل تقبل توبتك أم
تكون من الذين قال الله فيهم : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ
آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ
لِيَغْفِرَ لَهُمْ الآية ، وهل يشترط في التوبة النطق بالشهادتين بمسمع عالم ؟
وهل لا بد من الغسل وصلاة ركعتين إلى آخره . . : قد بين الله في كتابه العظيم
أنه سبحانه يقبل التوبة من عباده مهما تنوعت ذنوبهم وكثرت ، كما قال تعالى :
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ
رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أجمع العلماء أن هذه الآية في التائبين ، وقد أخبر فيها
سبحانه أنه يغفر الذنوب جميعا لهم إذا صدقوا في التوبة إليه بالندم والإقلاع عن
الذنوب والعزم على أن لا يعودوا فيها ، فهذه هي التوبة.
ونهاهم سبحانه عن القنوط من رحمته وهو اليأس مهما عظمت الذنوب وكثرت ، فرحمة
الله أوسع وعفوه أعظم ، قال تعالى : وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ
عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وقال في حق
النصارى أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ وقال النبي : الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
فالواجب عليك الإقلاع عن جميع الذنوب والحذر منها والعزم على عدم العودة فيها مع
الندم على ما سلف منها إخلاصا لله وتعظيما له وحذرا من عقابه ، مع إحسان الظن به
سبحانه ، وقد صح عن رسول الله أنه قال : يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي
وأنا معه إذا دعاني وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر : لا يموتن أحدكم
إلا وهو يحسن الظن بالله فاتق الله يا حمد ، وأحسن ظنك بربك وتب إليه توبة صادقة
إرضاء له سبحانه وإرغاما للشيطان وأبشر بأنه سبحانه سيتوب عليك ويكفر سيئاتك
الماضية إذا صدقت في التوبة ، وهو سبحانه الصادق في وعده الرحيم بعباده.
أما الشهادة على مسمع عالم فليس ذلك بشرط ، وإنما التوبة تكون بالإقرار بما
جحدته ، وبعملك ما تركت ، فإذا كان الكفر بترك الصلاة فإن التوبة تكون بفعل
الصلاة مستقبلا والندم على ما سلف والعزيمة على عدم العودة وليس عليك قضاء ما
تركته من الصلوات ؛ لأن التوبة تهدم ما كان قبلها . أما إن كنت تركت الشهادتين
أو شككت فيهما فإن التوبة من ذلك تكون بالإتيان بهما ولو وحدك فتقول : ( أشهد أن
لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ) عن إيمان وصدق بأن الله معبودك الحق
لا شريك له وأن محمدا هو عبد الله ورسوله إلى جميع الثقلين من أطاعه دخل الجنة
ومن عصاه دخل النار.
أما الغسل فهو مشروع وقد أوجبه بعض العلماء على من أسلم بعد كفره الأصلي أو
الردة ، فينبغي لك أن تغتسل وذلك بصب الماء على جميع بدنك بنية الدخول في
الإسلام والتوبة مما سلف من الكفر.
أما صلاة ركعتين بعد الغسل فلا تجب ، ولكن يستحب لكل مسلم إذا تطهر الطهارة
الشرعية أن يصلي ركعتين لأحاديث وردت في ذلك ، وتسمى سنة الوضوء.
وأما قوله سبحانه : إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ
كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا فليس معناها أن من زاد كفره أو تكرر لا يتوب
الله عليه ، وإنما معناها عند أهل العلم استمراره على الكفر حتى يموت ، كما قال
الله سبحانه في الآية الأخرى في سورة البقرة : إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ
وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ
عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ وقال تعالى في سورة آل عمران : إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ
مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ وقال أيضا في سورة البقرة : وَلا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ
اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ
فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ فقد أوضح الله سبحانه في هذه الآيات
الثلاث أن حصول العذاب واللعنة وعدم القبول وحبوط الأعمال كل ذلك مقيد بالموت
على الكفر ، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الكافر مهما تنوع كفره ومهما
تكررت ردته فإنه مقبول التوبة عند الله إذا تاب توبة نصوحا ، وهي المشتملة على
الإقلاع عن الكفر والعزيمة على عدم العودة فيه والندم على ما مضى ، وإنما
اختلفوا في حكم من تكررت ردته في حكم الشرع في الدنيا هل يقبل منه ويسلم من
القتل أم لا تقبل منه ويقتل هذا محل الخلاف.
أما فيما بينه وبين الله سبحانه فليس في قبولها خلاف إذا كانت توبته نصوحا كما
تقدم . وأرجو أن يكون فيما ذكرناه مقنع لكم وكفاية ، والواجب عليكم البدار
بالتوبة الصادقة والضراعة إلى الله سبحانه والإلحاح في الدعاء أن يتقبل منكم وأن
يثبتكم على الحق ويعيذكم من نزعات الشيطان ووساوسه ، فإنه العدو اللدود الذي
يريد إهلاكك وإهلاك غيرك كما قال الله سبحانه : إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ
عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ
أَصْحَابِ السَّعِيرِ فبادر إلى إرغامه بالتوبة الصادقة وأبشر بالخير والعاقبة
الحميدة والنجاة من النار وقبول التوبة إذا صدقت في ذلك.
وأوصيك بالإكثار من ذكر الله وتسبيحه وتحميده وكثرة الاستغفار والصلاة والسلام
على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أفضل ذلك أن تكثر من كلمة التوحيد ( لا
إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) ، ومن
الكلمات الآتية : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول
ولا قوة إلا بالله ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، أستغفر الله الذي لا
إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين
، اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من
عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم.
كما نوصيك أيضا بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتدبر لآياته ، فإن فيه
الهداية لكل خير والتحذير من كل شر ونوصيك أيضا بمطالعة ما تيسر من كتب الحديث
المعروفة مثل : ( رياض الصالحين ) و ( بلوغ المرام ) فإن فيها ما ينفعك ويعينك
على الخير إن شاء الله . أما صوم النافلة كالإثنين والخميس ، وصيام ثلاثة أيام
من كل شهر فهو قربة وطاعة وفيه أجر عظيم ، وتكفير للسيئات ، ولكن إذا كانت أمك
لا ترضى بذلك فلا تكدرها فإن الوالدة حقها عظيم وبرها من أهم الواجبات ، ولعلها
تخاف عليك من الكسل إذا صمت ، وعدم القيام بالواجب في طلب الرزق والقيام بحاجات
البيت ، ومعلوم أن طلب الرزق الحلال لإعاشة العيال وأهل البيت من أفضل القربات
بل من أهم الواجبات ، وهو أفضل من التفرغ لصوم التطوع وصلاة التطوع ، وبكل حال
فالذي أنصحك به هو أن تسمع لقولها وتطيعها في مثل هذا ، وإذا رأيت مجالا في
المستقبل لطلبها الإذن فاستأذنها في الصوم ، إذا كان الصوم لا يعطلك ولا يضعفك
عن المهمات المذكورة آنفا.
والله المسئول أن يمنحك الفقه في الدين ويهديك صراطه المستقيم ويمن علينا وعليك
بالتوبة النصوح ، ويعيذنا وإياك وسائر المسلمين من نزغات الشيطان وشر النفس
وسيئات العمل إنه جواد كريم . وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله
وصحبه . نائب رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
طريقة التوبة عن اقتراف المعاصي
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ( . . . . . . . . . . .
. .) وفقه الله . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد : فأفيدكم بوصول كتابكم الكريم المؤرخ بدون . وصلكم الله بهداه . وما
تضمنه من بيان اقترافك لبعض المحرمات وأنك نادم على ما فعلت وتطلب دلالتك إلى
طريق الصواب إلى آخر ما ذكرتم - كان معلوما . ونخبرك بأننا نوصيك بلزوم التوبة
والندم على ما بدر منك والعزم الصادق ألا تعود في ذلك مع كثرة الاستغفار والعمل
الصالح ، وأبشر بالخير وحسن العاقبة ، كما قال الله سبحانه وتعالى : وَإِنِّي
لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى وفقنا الله
وإياك لما يرضيه .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نصيحة بلزوم التوبة والتعوذ بالله من الشيطان
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ( . . . . . . . . . . .
. . .) وفقه الله . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
أما بعد : فإشارة إلى رسالتك الكريمة رقم وتاريخ بدون لقد سرني ما تضمنته من
التوبة إلى الله مما بدر منك والحمد لله على ذلك ، ونوصيك بلزوم التوبة
والاستقامة عليها وجهاد النفس في طاعة الله وأبشر بالخير والعاقبة الحميدة كما
قال الله عز وجل : وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا
وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ وقال سبحانه : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ كما نوصيك
بالإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه ، ففيه الهداية والنور ، كما قال
الله سبحانه : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الآية .
ونوصيك أيضا بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم عند وجود الوساوس ، وإذا كانت في
الله أو في رسوله صلى الله عليه وسلم أو في الآخرة فقل : آمنت بالله ورسله ، مع
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
وإليك نسخة من مجموع فتاوينا ، ومن العقيدة الواسطية ، وبلوغ المرام ، وفتح
المجيد ، وثلاثة الأصول ، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه إنه جواد
كريم . . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نصيحة من ابتلي بالمعاصي ثم ندم
س : أنا طالب بالمرحلة الثانوية كنت ملتزما ومحبا للقرآن الكريم وشغوفا بالعلم
ثم تغير أمري ، حيث اجتمعت حولي فئة سوء ، وبدأت أفعل العادة السرية وأفحش في
أمور كثيرة كاللواط ، والعبث ببنات الناس ، والتطلع إلى عورات الجيران وفي
الظاهر أتحدث مع زملائي عن الدين وأمور الجماعات الإسلامية في المدرسة والمسجد
والمنزل.
لقد حاولت مرارا الإقلاع عن الذنوب ولم أستطع ، أريد دواء شافيا أمر به الله
ورسوله ، ولن تتم راحتي حتى أسمع وأقرأ من سماحتكم ، أبقاكم الله للإسلام ومتعكم
بالصحة والعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . عبد من عباد الله
جـ : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، بعده : - أسأل الله بأسمائه الحسنى
وصفاته العلا أن يمن عليكم بالتوبة النصوح ، وأن يشرح صدركم للحق ، وأن يوفقكم
لصحبة الأخيار ويعيذكم من صحبة الأشرار إنه خير مسئول ، وأوصيكم بالتوبة النصوح
وهي تشمل ثلاثة أمور : -
1 - الندم على الماضي من جميع المعاصي .
2 - الإقلاع منها كلها خوفا من الله وتعظيما له .
3 - العزم الصادق ألا تعود فيها إخلاصا لله ورغبة
فيما عنده .
ومتى تم ذلك منك فأبشر بالمغفرة وحسن العاقبة وفقنا الله وإياك لما يرضيه ،
وأعاذنا وإياك من نزغات الشيطان ومن شر النفس وسيئات العمل إنه سميع قريب .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
صدر الجواب على السؤال من مكتب سماحته برقم 526/أ . ش في 18/7/1411 هـ .
شاب يتوب ثم يعود إلى المعاصي فكيف العمل
س : أنا شاب في التاسعة عشرة من عمري وقد أسرفت على نفسي في المعاصي كثيرا ، حتى
أنني لا أصلي في المسجد ولم أصم رمضان كاملا في حياتي ، وأعمل أعمالا قبيحة أخرى
، وكثيرا ما عاهدت نفسي على التوبة ، ولكني أعود للمعصية وأنا أصاحب شبابا في
حارتنا ليسوا مستقيمين تماما ، كما أن أصدقاء إخواني كثيرا ما يأتوننا في البيت
وهم أيضا ليسوا صالحين ، ويعلم الله أنني أسرفت على نفسي كثيرا في المعاصي وعملت
أعمالا شنيعة ، ولكنني كلما عزمت على التوبة أعود مرة ثانية كما كنت . أرجو أن
تدلوني على طريق يقربني إلى ربي ويبعدني عن هذه الأعمال السيئة .
جـ : يقول الله عز وجل : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ أجمع العلماء أن هذه
الآية الكريمة نزلت في شأن التائبين ، فمن تاب من ذنوبه توبة نصوحا غفر الله له
ذنوبه جميعا لهذه الآية الكريمة ، ولقوله سبحانه : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ
يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فعلق سبحانه تكفير السيئات ودخول الجنات في هذه الآية
بالتوبة النصوح ، وهي التي اشتملت على ترك الذنوب والحذر منها ، والندم على ما
سلف منها ، والعزم الصادق على ألا يعود فيها تعظيما لله سبحانه ورغبة في ثوابه
وحذرا من عقابه .
ومن شرائط التوبة النصوح رد المظالم إلى أهلها أو تحللهم منها إذا كانت المعصية
مظلمة في دم أو مال أو عرض ، وإذا لم يتيسر استحلال أخيه من عرضه دعا له كثيرا
وذكره بأحسن أعماله التي يعلمها عنه في المواضع التي اغتابه فيها ، فإن الحسنات
تكفر السيئات ، وقال سبحانه : وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فعلق عز وجل في هذه الآية الفلاح
بالتوبة ، فدل ذلك على أن التائب مفلح سعيد ، وإذا أتبع التائب توبته بالإيمان
والعمل الصالح محا الله سيئاته وأبدلها حسنات ، كما قال سبحانه في سورة الفرقان
لما ذكر الشرك والقتل بغير حق والزنا : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا
مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
ومن أسباب التوبة الضراعة إلى الله سبحانه وسؤاله الهداية والتوفيق ، وأن يمن
عليك بالتوبة ، وهو القائل سبحانه : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وهو القائل عز
وجل : وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ الآية ، ومن أسباب التوبة أيضا والاستقامة عليها صحبة
الأخيار والتأسي بهم في أعمالهم الصالحة والبعد عن صحبة الأشرار ، وقد صح عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من
يخالل وقال عليه الصلاة والسلام : مثل الجليس الصالح كصاحب المسك إما أن يحذيك
وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ومثل الجليس السوء كنافخ الكير إما
أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة
نشر في كتاب الدعوة ج1 ص252 .
فضل التوبة ووجوب تكرارها إذا لزم الأمر
س : عاهدت الله أكثر من مرة أن لا آتي العمل الفلاني ولكني لم أوف بهذا العهد ،
أرجو نصيحتي ومن ماثلني .
جـ : هذا فيه تفصيل ، فإن كانت المعاهدة على أمر حرم الله عليك فعله وعاهدت الله
أن لا تعود إليه ولا تقربنه فالواجب عليك التوبة إلى الله ورجوعك إليه ومن تاب
تاب الله عليه.
والتوبة تشتمل على أمور ثلاثة : الندم على الماضي من المعصية ، والإقلاع عنها ،
والعزم الصادق ألا يعود إليها تعظيما لله وإخلاصا له سبحانه ، فإذا فعل المسلم
ذلك تاب الله عليه سبحانه وتعالى ، ومن تمام التوبة اتباعها بالعمل الصالح
والاستقامة ، كما قال جل وعلا : وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى وقال تعالى لما ذكر الشرك والقتل والزنا في
سورة الفرقان : وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ
الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلا مَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ
سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ فأخبر عز وجل أن من تاب وأتبع توبته بالإيمان الصادق
والعمل الصالح فإنه سبحانه يبدل سيئاته حسنات وهذا يتضمن قبول التوبة ثم زاده
سبحانه مع ذلك بأن جعل مكان كل سيئة حسنة وهذا من فضله وكرمه وجوده سبحانه.
وإن كان في المعصية حق للمخلوقين من سرقة أو عدوان على بعض أموال الناس أو
دمائهم أو أعراضهم فلا بد من التحلل من صاحب الحق أو إعطائه حقه ، فإذا سامحه
سقط حقه.
وهكذا في العدوان على العرض إذا استحل صاحبه فعفا إلا أن يخاف مفسدة بسبب إخباره
بالغيبة فإنه لا يخبره ولكن يدعو له ويستغفر له ويذكره بالخير الذي يعلمه منه في
المجالس التي ذكره فيها بالسوء أو يثني عليه بالأشياء الطيبة التي يعلمها عنه ،
حتى يقابل عمله السيئ بعمل صالح .
|