د . رقية المحارب
أم الكرام " كريمة المروزية " امرأة غرقت بطلب العلم والأخلاق العالية ، كنت أقرا
اسمها مرتبطا بصحيح البخاري " نسخة كريمة " حيث ينقل منها أحيانا ابن حجر ـ رحمه
الله تعالى ـ كنت لا أتصور أن تكون كريمة هذه أمرأة ! حتى شاء الله أن أبحث عنها
في نسخ البخاري وتراجم رواتها فوافيت في ترجمتها ما أعجبني .
جاورت أم الكرام " كريمة بنت احمد المرزوية " المسجد الحرام ، ورحلت في طلب العلم
مع والدها ، وعاشت تحفظ ويروي وتعلم ، وتتلمذ على يدها كبر الفقهاء في عصرها ،
وصفت بأنها كانت محدثة فاضلة ذات فهم ونباهة ، بل إليها انتهى علو الإسناد لصحيح
البخاري ، ولم تفرط في منهجها ، لذا لم تقبل أن ينتسب إليها الخطيب في روايته
للصحيح دون أن يقابل معها نسختها نسخته ، وذلك بأن تقرا عليه ، ثم يقرأ عليها ،
وهي في خدرها من وراء حجاب ، ولك أن تتصوري الجهد الذي بذلته في سماعها للخطيب
فقد قرأ عليها في خمسة أيام !
هل تعجبيبن من أمرها ؟! كيف استطاعت أن توف هذا الوقت للعلم ؟.. ينتهي عجبك ربما
حين تعلمين انها عاشت مئة سنة وماتت عام 63 هـ ولم تتزوج .
ذلك النموذج يتكرر في زماننا لنساء لم يكتب لهن الزواج لسبب ما ، ربما لعدم توفر
الرجل ذي الدين والخلق ، أو لا تجد رغبة في الزواج ! وتستيقن انها لو تزوجت لم
بالحق المطلوب منها أو لوقوعها ضحية ولي لا يخاف الله عزوجل فيمنعها ولا تملك
وسائل الخلاص بالرغم من محاولاتها أحيانا ! لكنها لم تقف على أعتاب الحسرة ولا
تنطوي بدثار الندامة لعدم تيسر الزواج لها .
وصلتني رسالة مؤثرة من نساء تأخرن في الزواج كثيرا يشتكين من وصف بعض الخطباء
والكتاب ـ وحتى قريباتهن من النساء ـ لهن بالعنوسة ، ويشرحن في صفحات كثيرة كيف
يؤثر هذا على نفسياتهن ويجعلهن محاصرات بالهم والقلق ، ليس لعدم الزواج ، ولكن من
نظرة المجتمع وقسوته عليهن ، وكتبن انهن يشعرن بسعادة غامرة لأنهن يقمن بواجب
عظيم في نفع المجتمع من خلال الدعوة والتربية والتعليم بالرغم من أنهن لسن
متزوجات ، لقد شمرن عن ساعد الجد وأخذن أنفسهن بالعزيمة ، فتجدهن مواظبات على
الحفظ والدروس والدعوة ، ولهن مواقف مشرفة ، ويتتلمذ على أيديهن المئات من
الفتيات 0
يطلبن أن أسهم في تصحيح نظرة المجتمع لغير المتزوجة ، وأن يعتبر أن مكانة المرأة
ليست مقيدة بزواجها ، فكم من امرأة غير متزوجة نفع الله بها خلقا كثيرا كما هو
معروف للخاصة والعامة ، فمنهن طبيبات وإداريات ومعلمات وعاملات في مجالات مختلفة
على أعلى قدر من الأخلاق والعطاء والإبداع ، ومنهن في بيوتهن طالبات للعلم
ومربيات لغيرهن ، لهن في كل ميدان خير صولة وجولة ، آثارهن على الناس حسنة وآثار
بعض الناس عليهن غير ذلك !
وأنا هنا لست اقلل من شان الزواج ولا أشجع على رفض الرجل الصالح ولا أدعو إلى
تأخيره بحجة العلم والدعوة ، بل هو سنن المرسلين وليس هذا محل اختلاف بحمد الله ،
لكنني أشد على أيدي النساء واهمس في آذانهن ، لا يدفعنك حديث الناس ونظرتهم
لتقبلي بزوج لا تحمدين مغبة اقترانك به .. أو ترضين بحياة هامشية لتصبحي فقط أمام
المجتمع من فئة المتزوجات ! ولكن عليك أن تراقبي الله في نفسك وفيمن تختارين ،
وليكن طلبك حياة زوجية مستقرة ممتلئة بمقومات الحياة الأسرية الهانئة ، ومهما تكن
التنازلات فإنها مالم تكن عن طيب نفس وقناعة فإنها تنقلب إلى نكد وشقاء .
اهمس في آذان اخواتنا الفاضلات اللآتي لم يكتب لهن الزواج ، أحرصن على الزواج ولو
من معدد إذا علمتن حسن خلقه وطيب معدنه وسمعتن عنه كل خير ولا يؤثر فيكن كلام
الناس وعباراتهم فتقبلن بإي زوج فكاكا من الضغط الإجتماعي ، فإن مآلات هذا غير
حميدة .
وأقول لكم ـ يا خطباء المساجد وحملة الأقلام : اتقوا الله في كل كلمة تقولونها ،
وليكن خطابكم الموجة للمرأة غير المتزوجة خطاب تصحيح وتوجية لمجالات الخير وليكن
في كلامكم تقدير لجهودهن ووقوف إلى جانبهن باختيار الصالحين ودلالاتهم ، وإرشاد
الشباب من أجل التخفيف من شروطهم ، والا يستكثروا أن يتزوجوا امراة في سنهم أو
تكبرهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج خديجة رضي الله عنها وهي تكبره بخمسة
عشر عاما .
كم أثرت كلمة " عانس " في قلوب الكثيرات وحرمتهن النوم ، في الوقت الذي يضحك
قائلها وينام ملء عينيه ، ولم يدر انه أدمى قلوبا أذايتها أهوال مايجري للمسلمين
في العالم ، وأبكى عيونا بكت من خشية الله طويلا .
كتبته الداعية الفاضلة / د . رقية المحارب
مجلة الدعوة العدد 1875 في 6/11/1423هـ
بعنوان ( هوني عليك ) .
نقله المشمر .. شبكة أنا المسلم
 |