النهي عن الإفساد في أرض الله

                 

أيها القراء الكرام دققوا النظر من فضلكم ! الإفساد في الارض عبارة عن إخراج الأشياء عن كونهم منتفعة به ولايمكن الإفساد الابمعصية الله. لأن الشرائع الالهية سنن و طرق وضعت بين العباد لإصلاح أمورهم فاذاتمسكوا بها زال العدوان ولزم كل أحد شأنه فحقنت بالشرائع الدماء و طفئت بهاالفتن فكان فيها صلاح الارض وأهلهاو اما اذاتركواالتمسك بالشرائع و فعل كل احد ما يهواه ,تتوهج في الأرض نارالهرج والمرج و الاضطراب و الحروب و الفتن والمفاسد في البيئة وتنتفئ المنافع الدنيوية و الأخروية. ففساد البيئة نتيجة إعراض العباد عن ذكر الله وإمتناعهم عن طاعة الله ورسوله صلي الله عليه و آله وسلم .لأن صلاح اهل الأرض بطاعة الله و التزام شرائعه اذ بهذا الالتزام يزول الجور و يبقي الحرث و النسل و يتحفظ الانواع فيها و يظهر العدل الذى به قامت السماوات و الارض . و الافساد تغييرالشيء عن الكمال الذي هو عليه أو منعه عن الوصول الي كمال يقتضيه و فالخروج عن طاعة العقل و الامام المعصوم عليه أفضل الصلوة و السلام افساد كبير في العالم الصغير و يودي الي الافساد في العالم الكبير و الي الافساد الكبير و هو الاستهزاء بالامام و قتله. فان الافساد في الارض عبارة عن إفناء مواليدها وإفناء كمالاتهاأو منعها عن البلوغ الي كمالاتها المترقبة لها أو تحريف كلماتها التكوينية او التدوينية عن مواضعها و القاطع عن ولاية الله و أوليائه عليهم السلام يتخذ من دون الله آلهة فيتصرف في مواليد البيئة بخلاف ما أمره الله تعالي شأنه. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه يفني قواه العلامة و العمالة للسلوك الي الآخرة و يهلك ما تولد بالعناية الالهية من بذر الآخرة و زرعها و نسلها في نفسه و في البيئة .اذ الفاسد يفسد ما يجاوره و المفسد في عالمه الصغير يفسد العالم الكبير و كما يحرف كلمات عالمه الصغير و كلمات العالم الكبير عن مواضعها يحرف كلمات الكتب السماوية و الشرائع الالهية بحسب هواه.

الفساد بمعناه الشامل ضد العمران والصلاح كما أن الإفساد بمعناه الشامل ضد التعمير و الإصلاح. والفساد هو كل سلوك بشري يفسد نعم الله ويحيلها من مصدر منفعة وحياة إلى مصدر ضرر وخطورة على الحياة فالفساد إذن سلوك بشري على غير ما أمر به الله سبحانه وتعالى وعلي مقدار تمرد الإنسان على حركة الحياة يحدث الفساد والإفساد ومن ثم فقد نهى القرآن عن الفساد والإفساد لما فيهما من ضرر كبير وتوعد المفسدين بغضب الله وسخطه يقول الحق تبارك وتعالى : كلوا وأشربوا من رزق الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين ( البقرة : 60 ) ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ( الأعراف 85) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد ( البقرة: 205 ) وقيل نزلت هذه الآية الكريمة فى الأخنس بن شريق الذي أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وأعلن إسلامه ثم خرج فمر بزرع فأحرقه وحمر فعقرها فذكر الله أمره ذلك إن ما فعله الاخنس يتعارض مع السلوك الإسلامي القويم . يقول عز من قائل : ولاتبغ الفساد فى الأرض إن الله لايحب المفسدين ( القصص : 77 ) فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ( الأعراف :103 )

و قوله : « و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين » أي لا تطلب الفساد في الأرض بالاستعانة بما آتاك الله من مال و ما اكتسبت به من جاه و حشمة إن الله لا يحب المفسدين لبناء الخلقة على الصلاح و الإصلاح .

وأيضاالأحاديث الواردة في شأن البيئة تنهي عن الفساد والإفسادوتدعو إلي الصلاح و الإصلاح و إلى المحافظة على الماء طاهراً نقياً وعدم إفساده بإلقاء النجاسة والمخلفات فيه ليظل مصدر حياة وخير للبشرية فالتبول فى الماء الراكد يجعله بيئة خصبة لتكاثر الميكروبات والفيروسات التى تساعد على انتشار الأمراض المعدوية كما أن التبول فىالماء الجاري سوف يؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين حيث تصلهم المياه ملوثه وهو سلوك يتنافي مع حرص الإسلام على ألا تضر نفسك ولاتضر الآخرين انطلاقاً من القاعدة الفقهية " لاضرر ولاضرار " .

وفى خبر إن رجلا جاء إلي النبي صلى الله عليه وسلم و شكي إليه الشدة و العسر و الحزن في جميع الاحوال و كثرة الهموم و تعسر الرزق فقال(ص) : لعلك تستعمل ميراث الهموم فقال و ما ميراث الهموم؟ قال لعلك تتعم من قعود أو تتسرول من قيام أو تقلم أظفارك بسنك أو تسمح وجهك بذيلك أو تبول في ماء راكد(بحار الأنوار ج 80 ص 195).

فهل نحن ملتزمون بتعاليم الإسلام كما جاءت فى كتاب الله وسنة رسوله الكريم و عترته الطاهرين فى عدم إفساد موارد البيئة . للأسف نحن نرتكب مخالفات شرعية كثيرة عندما نسمح لأنفسنا بضخ مياه المجاري الصحية غير المعالجة وهي مليئة بالمواد الكيماوية والعضوية والميكروبات الضارة إلى البحار والأنهار والبحيرات كما نرتكب نفس المخالفة عندما نسمح بضخ مخلفات المصانع أيضا فى البحار والأنهار متجاهلين ضررها البالغ على الأحياء المائية وأهمية مياه هذه الانهار للاستخدام الزراعي والاستخدامات المنزلية ، سلوكيات غير إسلامية ، غير بيئية نرتكبها ونحن فى غفلة من أمر ديننا .

وإذا نظرنا إلى ماء المطر النعمة المهداة الذي ينزل من السماء ماء طهوراً يقول عز من قائل وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( الفرقان : 48 ، 49 ) هذه النعمة العظيمة التى لاتستقيم الحياة بدونها كما قال سبحانه وجعلنا من الماء كل شيء حي ( الأنبياء : 30 ) .بدأنا ايضاً فى إفسادها وبدلناها من طبيعتها الفطرية . إذ أصبح المطر يسقط في مناطق كثيرة ( خاصة فى البيئات الصناعية ) مطراً حمضياً (Acid Rain) يهلك الحرث والنسل ... فقد بلغ الاس الهيدروجيني ( PH ) للمطر فى بعض المناطق الصناعية وهو معدل يجعل مياه الأمطار عالية الحموضة محدثة أضرار كثيرة فقد فقدت مئات من البحيرات فى أمريكا الشمالية وشمال غرب أوربا نتيجة ارتفاع درجة حموضة مياهها بسبب المطر الحمضي معظم ما بها من ثروات سمكية وأصبحت 90 بحيرة فى منطقة جبال أدرونداك فى ولاية نيويورك , على سبيل المثال , خالية تماماً من الأسماك تحت تأثير الحموضة المتزايدة لمياه البحيرات وهي حموضة قاتلة للأحياء . إضافة إلى ذلك أن حموضة مياه البحيرات تعمل على تحرر المعادن السامة من قاع البحيرات وتحول المياه بها إلى مياه سامة ولايقتصر تأثير المطر الحمضي على الأضرار بمياه الأنهار والبحيرات وإنما يمتد تأثيره إلي مخاطر كثيرة فقد أعلن فريق من الباحثين فى جامعة نيوها مبشير بالولايات المتحدة الامريكية ( 1985 ) أن المطر الحمضي يمنع حاسة الشم عند سمك السالمون ، ولهذا يفقد قدرته على إيجاد طريقة نحو مجاري الأنهار العليا من أجل وضع بيضة وإتمام عملية الفقس كما بدأت تضر الأمطار الحمضية بالمحاصيل الزراعية تحت تأثير ترسب كميات كبيرة من المواد الحمضية فى التربة مما يغير من تركيبها الكيماوي فى اتجاه الحموضية المتزايدة التى تضر بل تقتل النباتات إذ تعمل الحموضة الزائدة فى التربة على إفقار التربة نتيجة إزالة الكاثيونات " الأيونات الموجبة " منها التى تعتبر القاعدة الأساسية لتغذية النباتات مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم .

كما يؤدي المطر الحمضي إلى تدمير الكثير من الأشجار والنباتات حيث تصاب بظاهرة الموت التراجعي " (Dieback) حيث تموت الأشجار واقفه كما يقولون إذ تتلف الأوراق العلوية المعرضة مباشرة للمطر الحمضي الذى يقتل المادة الخضراء فيها ثم ينتقل التأثير بعد ذلك الى الأوراق التحتية فقد أوضح تقرير من ألمانيا الاتحادية ( 1980 ) أن مساحة من الغابات تقدر بنحو 560 ألف هكتار أي حوالي 7ر7% من مجموع مساحات الغابات في ألمانيا قد دمرت أو أتلفت بدرجات متفاوته نتيجة المطر الحمضي والضباب الحمضي هذه المخاطر والمشكلات التى نعاني منها هي نتيجة طيبعية لما ارتكبناه فى حق بيئتنا من فساد وإفساد نهانا عنه الإسلام ، فهو من كسب أيدينا وهو نوع من العقاب الدنيوي لعلنا نتعظ ونهتدي إلى طريق الحق والصلاح والتعمير . يقول الحق تبارك وتعالى : ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون ( الروم : 41 ) فهل نرجع ؟ ومن سخرية القول أننا نفسد بيئتنا بدعوى إصلاحها فعندما نستخدم الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية مثلاً بدرجة كثافة عالية ، ندعي أننا نسعى إلى زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية ولكن هذا التكثيف للكيماويات ( الأسمدة والمبيدات ) يؤدي إلى إفساد البيئة والإنتاج معاً فقد تبين أنه ينجم عن هذا الاستخدام المكثف لهذه الكيماويات تسرب كميات كبيرة منها إلى الهواء ومصادر المياه وإفسادهما ، فضلاً عن إنتاج محاصيل ملوثة كيمائيا. يقول الحق تبارك وتعالى : وإذا قيل لهم لاتفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ( البقرة : 11 ، 12 ) .

ففي تقرير صادر عن دول مجموعة التعاون الاقتصادي الأوربي ( 1988 ) حذر من تفاقم التلوث المائي الناجم عن تكثيف استخدام الأسمدة الكيماوية ، ودعا التقرير إلى الحد من الاستخدام المكثف ( الإسراف ) لهذه الأسمدة الكيماوية لما لها من مخاطر كبيرة على الأحياء المائية .

                 

رجوع

 

شبكة التاج الذهبى  .......  أحمد رشاد

Free Web Hosting