Free Web Hosting
الموقع الرسمى للفنان - ايهاب توفيق

رجوع

مطربو الحب واللوعة يتجهون الى الاغاني الدينية

موجة ايمانية..ام اصطياد للجماهير؟!!

د. فيكتور سحاب

الموسيقى الدينية هي العمود الفقري في التربية الموسيقية

الغناء الديني وتجويد القرآن حافظ على المقامات وايقاع الكلمة العربية

الرسوم المسيئة للرسول دفعت مصطفى قمر وايهاب توفيق الى تسجيل الاغاني دفاعاً عن النبي

هاني سلامة يتوعد المغنين والراقصين بالحرق في نار جهنم

سامي يوسف قدم الاغنية الدينية بملابس عصرية وآلات غربية

فرق اوروبية واميركية وماليزية تتغنى بحب رسول الله

لطالما كان تقديم وإذاعة الاغنيات والاناشيد الدينية مرتبطاً في الماضي بالمناسبات الدينية، الا اننا نلمس ومنذ سنوات قليلة اتجاه بعض المطربين الى تقديم هذا النوع من الغناء، حتى رأى فيها البعض انها موجة، وان المطربين سارعوا الى ركوب هذه الموجة قبل فوات الاوان

فرأينا بعض الفنانين وبعد تقديمهم لأغاني الحب والهجر واللوعة يحاولون تقديم الاغنيات التي كانت في السابق تكتب جلالاً ووقاراً، فكان هذا الامر لافتاً وتوقع له بعض النقاد ان يكون مجرد ظاهرة مرتبطة بظروف معينة ساهمت في انتشارها، ومن هذه الظروف، نجاح تجربة المطرب الشاب سامي يوسف الانكليزي من اصل اذربيجاني، والذي لا يقدم سوى الاغاني الدينية، والهجمة الاخيرة على الرسول الكريم المتمثلة في الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي الاكرم والتي نشرتها احدى الصحف الدانمركية، فيرى البعض ان هؤلاء الفنانين يحاولون تأدية دور المدافع عن قضية عادلة لكسب ود المتشددين دينياً او لتحقيق ايرادات في مجتمع يجنح كثيرون فيه لاي اتجاه يجنح نحو الدين، وان اداء هذا النوع من الغناء يعتبر تقرباً من الجماهير بصورة ما في ظل هجمة شرسة من اغنيات لا معنى لها ولا ضابط، بينما شكك البعض الآخر في نوايا المطربين ووضعوا اتجاههم لتقديم الاغنيات الدينية وتصويرها على طريقة الفيديو كليب، بأنه لا يعدو كونه باب رزق او كما يقال باللهجة المصرية ((سبوبة)) او نوع من ((البيـزنس)) لا اكثر ولا اقل، وانها تشبه الاغاني الوطنية التي لا يقدم على تسجيلها الفنانون الا عند وقوع أي حدث، فجاءت دون احساس وخرجت مشوهة ومبتورة

المطربون دافعوا عن انفسهم، فطارق فؤاد نفى عن نفسه انه يركب الموجة، وان ألبومه الديني الذي سيطرحه قريباً في الاسواق، يحضر له منذ عامين، اما مصطفى قمر الذي قدم ولأول مرة اغنية دينية باللغة العربية الفصحى بعنوان ((سألنا الله)) فيقول انه وفور اطلاعه على الرسوم المسيئة للرسول الكريم شعر بحالة من الغليان والحزن ولأن سلاحه هو صوته فقد قرر استخدامه وقدم هذه الاغنية. اما ايهاب توفيق الذي قدم في السابق تسجيلاً لاسماء الله الحسنى للاذاعة المصرية فقدم اغنية ((الاَّ رسول الله)) وقام بتصويرها، فيرى ان هذه النوعية من الاغاني تساعد على تصحيح المفاهيم الخاطئة وارشاد الجمهور الى الطريق الصحيح ولخروج الاغنية العربية من نهر الانحلال الاخلاقي الذي سقطت فيه مؤخراً

ويؤكد المطرب محمد ثروت الذي كان من اوائل المطربين الذين فتحوا الباب على مصراعيه امام الاغنية الدينية، ان ما يحدث هو ظاهرة صحية لانها ومهما كان ضعف مستواها، تبقى افضل من اغنيات البورنو كليب

ويستعد المطرب محمد الحلو، الذي اعلن اعتـزاله تقديم الالبومات الغنائية، لتسجيل القرآن الكريم بصوته، ويبرر اقدامه على هذه التجربة بأنها رغبة منه في استخدام موهبة اعطاها له الله في نشر كلامه

اما حكيم فقدم اغنية ((لا اله الا الله)) على ايقاع سريع وراقص ويذكرنا بأغنياته المعروفة، والتي تندرج تحت اسم الاغاني الشعبية

وكان للفنان محمد منير تجربة منذ ثلاث سنوات مع اغنية ((مدد يا رسول الله)) التي حققت نجاحاً لافتاً لنجومية منير من ناحية ولحسن اختياره لاغنياته من ناحية اخرى، وقال منير يومها ان ما دفعه الى تنفيذ ذلك العمل هو المساهمة في نشر رسالة الاسلام الحقيقية من خلال مادة جذابة تستسيغها الجماهير من دون تعقيد او فلسفة فارغة

ولا ننسى ان محمد منير كان صاحب اغنية ((عليّ صوتك بالغنا)) وكانت من ألحان كمال طويل، وقدمها في فيلم يوسف شاهين ((المصير))، وكان في مقابل غناء منير، المتطرفون بملابسهم البيضاء يرددون في حلقات الذكر وعلى نقر الدفوف اسم ((الجلالة)).. وبهذه المعادلة بدا وكأن هناك غناء عاطفياً يقابله غناء ديني متشدد لا بل متطرف.. ونرى في مشهد الممثل هاني سلامة، بعد ان جنده المتطرفون، وهو يحاول فك وثاقه وبعد سماعه لغناء منير ورقص الفتيات يقول: ((ان شاء الله حترقصوا في نار جهنم)).

اغاني دينية.. بملابس عصرية

عودة الغناء الديني للبروز على سطح الحياة الفنية وبأصوات اشهر مطربي هذا العصر.. وبهذا الزخم، دفعنا للبحث في تاريخ هذه الاغنية ولرصد ظاهرة سامي يوسف التي كانت وبسبب النجاح الذي حققته الدافع الاول امام المطربين لخوض غمار هذه التجربة

فالصورة التقليدية لمطربي المدائح والاناشيد الدينية تغيرت وارتدت ملابس عصرية لكي تماشي العصر وتنال اعجاب الجمهور من الشباب والصبايا، لانهم وبكل بساطة يشكلون القوة الشرائية الاولى للالبومات الغنائية، ولجمهور الحفلات، ولا ندري هنا إذا اقتصر الغناء الديني على نجوم الاغنية الشبابية دوناً عن المغنيات!! (مجرد سؤال).

ويرى الدكتور فيكتور سحاب (مدير البرامج في الاذاعة اللبنانية – ونائب رئيس المجلس الدولي للموسيقى – اليونيسكو)، ان الاغنية الدينية هي مبدأ الموسيقى في كل الحضارات، وان الموسيقى نشأت في حضن الغناء الديني سواء لدى الفراعنة او الاغريق، او الموسيقى الكلاسيكية الاوروبية، فالموسيقي باخ كان كل اسبوع يلحن قداساً للأمير الذي كان ينفق عليه، ومن هنا ظهر موزارت وبيتهوفن فيما بعد.

ويتابع د. سحاب

-     ثم تحولت الموسيقى الكلاسيكية من موسيقى دينية الى موسيقى مدنية (نسبة الى المدينة) فحتى في اوروبا كانت الموسيقى الكلاسيكية في الاساس موسيقى دينية

اما ما يتعلق بالموسيقى العربية، أي الموسيقى المدنية العربية، فنلاحظ ان كبار الموسيقيين العرب من الشيخ عبدالرحيم المسلوب وعبده الحامولي ومحمد عثمان وسيد درويش وزكريا احمد ومحمد القصبجي ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ورياض السنباطي كل هؤلاء كانوا اساساً مقرئين او ابناء مقرئين او أزهريين، لأن تجويد القرآن الكريم يعلم اصول مخارج الحروف وايقاع الكلمة العربية، التي هي اساس الإيقاع الشعري

وفي تجويد القرآن الكريم، نجد انه يدرب المغني على السكك المقامية والارتجال الموسيقي، أي ان تجويد القرآن كان المدرسة الاساسية التي دربت خيالهم الموسيقي ونظم اصول وضع الموسيقى، أي الا يلحِّن المجوّد وألا يطوِّل الفتحة ويقصر الالف، مثلاً

اذاً الموسيقى الدينية لدى كل الشعوب كانت وما تزال، في رأيي، العمود الفقري في التربية الموسيقية للموسيقيين حتى ولو خرجوا من الغناء الديني الى الغناء المدني

نفي وتأكيد

ومن خلال مراجعتنا لبعض الابحاث والدراسات حول الاغنيات الدينية، قرأنا ان اشهر من لحن القصائد الكبيرة التي تدخل في خانة الاغنية الدينية منذ مطلع القرن الماضي، كان الشيخ ابو العلا محمد، وكانت افضل من تروج لهذه الاغنيات ام كلثوم وكانت وقتها في بداية انطلاقتها

الا ان د. سحاب نفى هذا الكلام جملة وتفصيلاً، واعتبر انه كلام غير دقيق، لان الاغنية الدينية، برأي سحاب، لم تتوقف اساساً، الا اذا كان الباحث يقصد الاغنية المسجلة، لان الفونوغراف دخل الى مصر عام 1904، وما يؤكده د. سحاب ان ابو العلا لم يعط ام كلثوم اغاني دينية مع العلم ان الشيخ ابو العلا كان مقرئاً كوالد أم كلثوم. ويعيدنا د. سحاب الى كتاب ((وصف مصر)) الذي وضعته بعثة شامبليون المرافقة لحملة نابليون بونابرت، التي غزت مصر أواخر القرن الثامن عشر، هذه البعثة وضعت تسع مجلدات عن مصر، ووصفوا فيها كل نواحي الحياة المصرية، وخُصصت ثلاثة مجلدات للحياة الموسيقية وهذه المجلدات وضعها المؤرخ الفرنسي غيوم اندريه فيوتو، ووصف عام 1801 سهرة غنائية دينية في بيت أحد الأعيان المصريين، وينتهي د. سحاب إلى القول:- هذا يعني ان الغناء الديني كان قبل القرن العشرين

ويتابع: وفي رأيي ان استمرار الغناء الديني في حقب الهبوط الحضاري العربي واختفاء الغناء الراقي في المجتمع العربي، واستمرار تجويد القرآن الكريم، حافظا على المقامات العربية وإيقاع الكلمة العربية ومخارج الحروف، وهذه الأصول لم تستطع الحضارة المدنية حفظها، فحفظها الغناء الديني

ولو عددنا أسماء الموسيقيين سنلاحظ ما يلي: ان الشيخ سيد درويش كان مقرئاً في الكتّاب، الشيخ زكريا أحمد كان أزهرياً ابن أزهري، محمد القصبجي هو ابن الشيخ علي ابراهيم القصبجي وكان مقرئاً، محمد عبد الوهاب هو ابن الشيخ عبد الوهاب محمد أبو عيسى حجر وكان امام مسجد السيد الشعراني وشقيقه هو الشيخ حسن، وأم كلثوم هي ابنة الشيخ ابراهيم البلتاجي

عصر التسجيل

ولأننا نعيش عصر التسجيل الصوتي، فإن ما وصلنا من الأغنيات الدينية، نسمعها في المناسبات الدينية، كشهر رمضان أو موسم الحج أو بمناسبة المولد النبوي الشريف. وقد رصدنا بعض هذه الأغنيات والتي تطورت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وكان لدخول محمد القصبجي ورياض السنباطي اللذين رفدا هذا الفن بألحان كبيرة ومتنوعة، أثره الكبير إذ كان لألحانهما أعظم التأثير على تطور هذه الأغنية وعلى انتشارها في الوطن العربي كله

وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر ما أنشدته أسمهان من أناشيد تبثها الإذاعة المصرية في موسم الحج ومنها

والنبي يا زايرين أرض الكرامة

سلموا على المصطفى سيد تهامة

ولها أغنية أخرى من ألحان شقيقها فريد الأطرش: -عليك صلاة الله وسلامه، شفاعة يا جد الحسنين

وللفنانة ليلى مراد أغنية أنشدتها في فيلم -ليلى بنت الأغنياء- خلال توجه جدها زكي رستم لأداء فريضة الحج

وهناك أغنية فيروز ((غنيت مكة)) وهي من كلمات سعيد عقل وألحان الأخوين رحباني.. ولعل أشهر الأغنيات التي تحرص الإذاعة المصرية على بثها أغنية المطرب الذي تخصص بتقديم الموشحات والمدائح النبوية محمد الكحلاوي، وأغنيته ((لأجل النبي))، ونسمعها هذه الأيام من إذاعة القرآن الكريم في لبنان بصوت مطرب شاب لم يضف إلى الأغنية، ولم يجار في تقديمه روعة أداء الكحلاوي ذي النكهة الخاصة

ومن أغاني أم كلثوم والموسيقار رياض السنباطي وأشعار أحمد شوقي ((سلوا قلبي غداة سلا وتابا))، ثم غنت الأغنية الخالدة الثانية التي عارض بها شوقي قصيدة البردة للبوصيري ((ريم على القاع بين البان والعلم، احلّ سفك دمي في الأشهر الحرم)). وأغنية أم كلثوم أيضاً ومن ألحان السنباطي ((ولد الهدى فالكائنات ضياء، وفم الزمان تبسم وثناء)). ثم الأغنية الأخيرة بينهما: ((القلب يعشق كل جميل، ويا ما شفت جمال يا عين))، وللسنباطي بصوته أغنية: ((اله الكون سامحني أنا غلطان)).

وبنظرة سريعة على هذه الأغنيات، والتي كانت على سبيل المثال لا الحصر، نرى انها جميعها من إنتاج مصر وبأصوات مصرية، ويتردد السؤال، لماذا كانت مصر هي مركز هذا النوع من الغناء والموسيقى، ويأتي جواب د. سحاب، الذي شبّه البلاد العربية بأنها كالروافد التي تصب في نهر اسمه مصر، وان وضع مصر المركزي في البلاد العربية بين الجناح المشرقي والجناح المغربي، فأصبحت مصر هي مصهر الحضارة العربية.

وبرأي سحاب ان النتاج ليس مصرياً فقط بل هو نتاج مدني عربي. ويبدو انه كان هناك نهوض اجتماعي مصري خطير استطاع أن يهضم هذه الروافد، وظهر هذا البناء الشاهق الذي اسمه عصر محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، ويرى د. سحاب ان هذا الغناء ليس مصرياً لا من مصادره ولا بنكهته وانتشاره، لأن سبب انتشاره الشعبي في البلاد العربية، ليس لأنه اكتسح، أو لأنه كان غزواً مصرياً، كما يقول بعض الانغلاقيين والانعزاليين اللبنانيين، بل لأنه كان بضاعتنا وُردت إلينا، فالبلاد العربية عبارة عن أوعية متصلة، فنحن أبناء حضارة واحدة، والغناء المدني في لبنان مبني على تجويد القرآن، أما الغناء الريفي فشيء آخر، فأرياف مصر تغني غناء يختلف عن الغناء الريفي الشامي أو الخليجي أو المغرب

 

رجوع